اختفاء تدريجي
انت أكيد شوفت فيلم واحد من الناس .. بتاع كريم عبد العزيز دا، فاكر قصته كويس ؟ أحب اقولك ان القصة دي بتحصل كتير أوي، لولا اني مش عايز ابالغ كنت قولتلك انها بتحصل كل يوم بأشكال مختلفة، شاب فاسد ابن رجل أعمال غني جدا، بيتورط في جريمة قـ.ـتل، بيكون الشاهد الوحيد على الجريمة دي واللي يقدر يثبت أي حاجة أو ينفيها واحد غلبان، بيستدعيه رجل الأعمال الكبير بعد كدا لمكتبه ويبدأ معاه لعبة المساومات، تغير شهادتك وتاخد مبلغ كبير وللا احول حياتك جحيم؟ وتبدأ اللعبة من هنا يا صديقي.مش عايز أدعي نبوة مزيفة واقول اني كان نفسي أشهد شهادة الحق بس خوفت من اللي هيحصلي أنا وأهلي، أنا طول عمري وانا بتفرج على الفيلم دا بحط نفسي مكان كريم عبد العزيز وبقول غلطان، إيه اللي يخليه يحارب طواحين الهوا ويخسر مراته بالطريقة البشعة دي، ما كان ياخد الفلوس اللي اتعرضت عليه ويسكت، الناس دي هتعمل اللي هي عايزاه بمزاجك أو غصب عنك.. وكأن **** أراد يحطني في الاختبار دا.
أنا راجل مدير شركة من شركات القطاع العام، قدرت طول فترة خدمتي أعمل مبلغ مش بطال من شغلي دا، متفكرش كتير ومتسألش نفسك أنا عملت الثروة دي من طريق مشروع وللا غير مشروع عشان دي مش مشكلتنا دلوقتي .. في يوم اتوفقت اني اشقط بنت من على الفيس بوك، كنت فرحان بنفسي وبقدرتي على الشقط اللي لسه موجودة رغم اني كسرت الخمسين من سنتين، في يوم طلبت مني نتقابل، قلت يا سلام .. عز الطلب .. اتقابلنا في نايت كلوب في التجمع، المكان هناك فيه حاجتين أساسيتين .. كل اللي فيه ولاد ناس أغنيا .. كل اللي فيه سكرانين.
سهرنا لحد الساعة خمسة الصبح تقريبا وكان المكان ابتدا يفضى، لحد ما حصلت الخناقة المعتادة اللي بتشوفوها في كل الأفلام .. وبوم بوم .. فيه شاب وقع .. من غير تفاصيل كتيرة لقيت نفسي الشاهد الوحيد اللي اسمع مكتوب في المحاضر ..هتقولي طب وبقية الناس اللي كانوا في المكان ؟ هقولك معرفش خلعوا نفسهم ازاي من المحاضر ومن القصة كلها.
قعدت مع ابو الولد وانا مجهز نفسي تماما للي هيحصل، عرض عليا مبلغ كبير أوي، مبلغ لو حكيته في قصتي هحول معظم اللي بيقروها لناس بتجري ورا فرصة لشهادة زور، ومع ذلك أنا موافقتش على الرقم دا من أول مرة، موافقتش غير لما اتضاعف 3 مرات .. وتقدر تتخيل الثروة اللي حصلت عليها من كلمتين هقولهم في المحكمة.
أنا مكنتش اعرف مين اللي ناويين يشيلوه القضية، لكن عرفت بعد كدا من السوشيال ميديا انه كان شاب غلبان، شغال سايس في الباركينج بتاع المكان، وبيجري على امه و4 اخواته .. وطبعا أبو الواد دفع فلوس لكل اللي في المكان عشان يتفقوا كلهم على نفس الشهادة.
روحت المحكمة، وحلفت اليمين، وشهدت شهادتي، ومشيت، بس شوفت نظرة صامتة في عيون الشاب اللي شهدت عليه، نظرة مش قادر اتخطاها لحد دلوقتي .. بتقول كلام كتير أوي من غير ما ينطق بأي حرف، وكأنه كان موفر كل الكلام اللي في الدنيا عشان يقوله لربنا، بس المعاني دا كلها مجاتش في دماغي وانا بشهد زور، أنا خدت فلوسي والشاب خد إعدام، وانتهت القصة لحد هنا.
اشتريت فيلا، وحطيت بقية الفلوس وديعة في البنك .. ومرت الأيام مش عارف ازاي وانا ناسي الشاب دا تماما، الشاب اللي ضيعت حياته بشهادة زور، وبنيت بتمن روحه حياتي أنا، بعد حوالي سنة من الواقعة دي، حصلت حاجة غريبة جدا، كنت بكلم واحد صاحبي في التليفون، أنا بتكلم، وهو مش سامعني، أعلي صوتي، مش سامعني، أغير مكاني واقف في حتة فيها شبكة، برضو صوتي مش واصله.
قفلت المكالمة، وكلمته تاني نفس المشكلة جربت اكلم حد غيره، اتصلت بمراتي .. مش سامعاني برضو .. شكيت ان فيه مشكلة في شركة المحمول، أو فيه مشكلة في الجهاز نفسه، جربت ابعت فويس نوتس على الواتساب.
مراتي قالتلي ان الفويس نوت فاضية، أو بمعنى أصح صوت العربية بتاعتي طالع، وصوت الكاسيت اللي شغال في العربية طالع، وأنا كأني ساكت، ماليش أي صوت في الرسالة .. حتى هي بعتتهالي تاني، سمعتها، لقيت اللي بتقوله فعلا، صوتي مش طالع في الفويس نوت، مع ان كل حاجة حواليا طالعة، فتحت الريكوردر بتاع الموبايل وحاولت اسجل صوتي مفيش فايدة، بصرخ بأعلى صوت عندي، بس صوتي مش طالع، الجهاز جايب صوت كل حاجة حواليا حتى صوت الهوا، بس مش جايب صوتي أنا .. جربت اكلم حد في الشارع، محدش سامعني، الناس بتتعامل معايه بالإشارة كأني أخرس، أو هو انا بالفعل بقيت أخرس، بس الفرق اني سامع نفسي بس الناس مش سامعاني، بزعق بعلو صوتي بس محدش سامعني، كأني في كابوس.
روحت لأكتر من دكتور محدش قدر يحدد سبب مشكلتي، كانت حالة غريبة معدتش على مجتمع الطب قبل كدا، لكن مع غرابة المشكلة، دي مكانتش نهاية الأزمة، دي كانت بدايتها، بداية الكابوس، بعد ما فقدت صوتي بفترة، حصلت معايه حاجة تانية غريبة.
وانا بفتح موبايلي ببصمة إيدي زي كل يوم، الموبايل مقراش بصمة الإيد، وكأنها بصمة حد تاني .. نفس الشيء حصل مع الخزنة اللي معرفتش افتحها لا ببصمة الصوت، ولا ببصمة الصباع، ودا طبعا معناه بالتبعية ان أي ورق حكومي عليه بصمة إيدي بقى ورق لا يعتد بيه، دا على أقل وأبسط تقدير يعني لو مقولناش انه ورق مزور.
كنت بفكر في حاجة وحبيت اتأكد منها وطلع استنتاجي صح، توقيعي كمان مبقاش توقيعي، ودا معناه ان خط إيدي اتغير، ودا برضو معناه ان كل ورق مضيت عليه قبل مالوش أي قيمة، مع الوقت لاحظت ان ملامح وشي كمان اتغيرت بشكل كبير وبسرعة كبيرة، وشي مبقاش وشي، أنا كلي اتغيرت لشخص تاني تماما، ففقدت بالتبعية كل صلاحيات وصولي لأي حاجة من ممتلكاتي، ثروتي الكبيرة اللي في البنك أنا مقدرش أوصلها ولا اسحب منها جنيه واحد لأني قدام القانون شخص تاني.
ودا اللي كنت فاكره أكبر كابوس في قصتي لحد ما بدأت تظهرلي كوابيس أكبر وأخطر بكتير، لمدة أسبوع كامل أنا كل ما اقف قدام المراية ألاحظ ان فيه أجزاء في جسمي اختفت، الحكاية بدأت بإيدي اليمين، وبعدين بإيدي الشمال، وبعدين برجلي ثم نصي التحتاني كله، لحد ما الأسبوع خلص وانا كمان خلصت، أنا مبقتش موجود، مبظهرش في الصور، مبظهرش في المرايات، محدش بيشوفني ولا بيسمعني .. اتحولت لشبح .. شبح حرفيا، أنا الوحيد اللي عارف اني موجود، لكن كل الناس اللي خلقهم **** ميعرفوش، محدش يقدر يشوفني ولا يسمعني، دا اداني فرصة أدخل أي مكان وآخد الأكل اللي انا محتاجه واخرج، لكن في نفس الوقت أنا كنت بتعذب .. انت مش هتقدر تفهم معاناتي، أنا العالم كله بالنسبالي اتحول لسجن انفرادي .. شايف كل الناس بس محدش شايفني، سامع كل الناس بس محدش سامعني، العالم كله حواليا بس أنا لوحدي.
في مرة من المرات روحت مطار القاهرة، وطلعت الطيارة، وطبعا محدش شافني ولا حس بيا ودا شيء طبيعي لأني مش موجود،
حاولت كتير أتعايش مع حياتي الجديدة، حاولت اعمل حاجات تكسر عندي إحساس السجن الانفرادي اللي انا عايش فيه، لكن طول الوقت كان عندي مشكلة مع الواقع اللي اتفرض عليا .. والأمر ازاد سوء لما بدأت أمرض، صداع مستمر مفيش أي مسكنات قادرة تسكته.
الموضوع كان محتاج دكتور، لكن اعمل دا ازاي وانا مش موجود، مفيش أي حد يقدر يشوفني ولا يسمعني، مقدرش اتواصل مع حد، الدكتور هيعملي اشاعات ويكشف عليا ازاي وهو مش شايفني ولا انا قارد اتواصل معاه؟.
أنا طبعا فهمت بعد وقت كبير أوي ان كل اللي بيحصلي في حياتي هو لعنة الشهادة الزور، الإنسان البرئ اللي تسببت في إعدامه ظلم، أنا النهارده بتعاقب عقاب أصعب وأكبر من الإعدام بكتير .. أنا عايش في العالم دا كله من حقي أروح أي مكان يعجبني في أي وقت من غير ما حد يعترضني أو يقولي رايح فين، ومع ذلك أنا لوحدي تماما، مسجون في سجن مالوش جدران ولا أسوار.. أنا ضحية ظلمي لنفسي .. دلوقتي كل اللي بتمناه مش أكتر من دوا يسكت الصداع اللي بيكسر دماغي، وحد يسمعني ويشوفني، حد أقدر اتكلم معاه .. لكن حتى المطالب البسيطة دي مش لاقيها ولا طايلها.
نفسي أموت، رغم اني عارف يمكن يكون مصيري بعد الموت مش أحسن حاجة، بس على الأقل في العالم الآخر هلاقي حد يسمعني ويكلمني .. تخيل إن أكبر كوابيسي دلوقتي هي ان **** يطول في عمري؟.
تفتكر هعيش ازاي كدا لو لسه مكتوبلي اكمل في الحياة 20 سنة كمان، ومين عارف يمكن أعيش اكتر .. صعبة مش كدا ؟ الأصعب اني مقدرش انهي حياتي بإيدي، معنديش أي قدرة على التأثير في أي حاجة، ما انا قولتلك بقيت شبح ..نصيحة اوعى تظلم حد، لأن **** مبدع في انتقامه من الظالمين.